أخر الاخبار

الخرافات والمعتقدات الشعبية بمنطقة شمال المغرب Mythes et croyances populaires au nord du Maroc (jbala)





يعتبر التراث الشعبي الشفوي من المواضيع التي تلقى اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة نظرا لأسباب كثيرة من أهمها العولمة المتوحشة التي تقتل التنوع الثقافي وتروج للنموذج الواحد النموذج الأمريكي، ويعبر التراث الشعبي الشفوي عن العقل الجمعي الشعبي وعن الحكمة الشعبة المتراكمة لقرون طويلة والتي تعالج مختلف المواضيع التي عايشها الانسان الشعبي، ومن بين الجوانب التي يعالجها التراث الشعبي المعتقدات والخرافات التي تتطرق لموضوع الاعتقاد في الثقافة الشعبية، وهذا الموضوع يساعدنا في فهم
المسائل التالية : فهم النظام الرمزي الذي يستخدمه الانسان من أجل التعبير عن مخاوفه ورغباته وتطلعاته وفهمه للعالم من حوله.
فهم علاقة الانسان بأخيه الانسان من جهة وعلاقة الانسان بالأشياء من حوله من جهة أخرى سواء كانت هذه العلاقة علاقة خوف أم علاقة حب أم علاقة كراهية.
أما الأشياء التي نعتقد فيها فهي عبارة عن حيوانات أو أبنية أو نباتات أو أدوات فلاحية زراعية أو أدوات
منزلية، وهذا ما سنحاول أن نتعرض له في هذا العرض وهو توثيق مجموعة من المعتقدات والخرافات التي تروج في منطقة جبالة وبالضبط ضواحي جماعة زومي وعمالة المقريصات، وقد اعتمدت في هذه العميلة البحثية على أداة المقابلة وذلك بمقابلة أشخاص لهم رصيد ثقافي شعبي كبير وبعدها محاولة تفسير هذا المعتقد سواء من طرف المبحوث أو من خلال تجربتي ومعرفتي بالمنطقة.
أما المواضيع التي تعالجها هذه المعتقدات فهي كثيرة ومتنوعة منها الاعتقاد في الحيوانات، أدوات المطبخ، أدوات المنزل، الخضر، الفواكه، الحبوب.   

تعريف الخرافة والمعتقد الشعبي :

الاعتقاد الشعبي أو الإيمان بالخرافة هو عندما يعتقد الانسان في الأشياء والأدوات والحيوانات والأماكن من حوله وذلك إما لدفع ضرر قادم وإما لجلب خير قريب أو بعيد، وقد كانت هذه المعتقدات الشعبية موجودة قبل ظهور الديانات الكبرى التي حاربت بشراسة هذه المعتقدات الى جانب العقل لكنها رغم ذلك استمرت الى يومنا هذا، وفي هذا السياق تقول شيماء ملا يوسف : " الخرافات (superstition  ) هي "الحالة الذهنية لمن يعتقد خطأً أن بعض الأفعال، وبعض الأقوال، وبعض الأرقام، تجلب السعادة أوالتعاسة". كما ذكرها لالاند في موسوعته الفلسفية، وكتب أيضًا أن المعنى الاشتقاقي للكلمة اللاتينية(superstitiosus)  يمكن أن تقال "بادئ الأمر على الذين كانوا يصلون باستمرار لكي يعيش أولادهم من بعدهم. ويرجع إلى معجم فروند وثيل أنها عملية الوقوف على شيئ ما، كالحيرة، والقلق، والخوف، وكان بنحو خاص؛ الخوف من الآلهة".
لا يبدو ظاهرًا وجود علاقة بين الخرافات ومثالي الأم واللاعب، فقد ارتبطت في أذهاننا أن الخرافات هي الأفكار القديمة التي لا يمكن حدوثها، كخروج جني ضخم من مصباح صغير، أو ظهور حورية البحر. ولكن الأمر ليس هكذا، دائمًا
في قاموس ميريام وبستر، يوجد تعريف للخرافات بصورة أدق وأعمق فهي "الاعتقاد أو السلوك المبني على أساس من الخوف والجهل، والسحر، والتنبؤ، وخطأ الاعتقاد بالعلاقات السببية".
نلحظ في العشر السنوات الأخيرة وجود ممارسات دينية لم تكن موجودة من قبل، على سبيل المثال توزيع كتب وطبع اسم الميت عليها، كهدية له. واليوم صار وجود هذا الفعل أمرعادي، غير مُستنكر، وإن كان في بدايات الفعل استنكار من البعض، لكن الفعل استمر. مرجعية هذا الفعل حديث للنبي محمد : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له . باعتبار أن طباعة اسم الميت على الكتاب هو العلم النافع، فنشأة هذا الفعل مبنية على فهم نص ديني وصار جزءا من الدين. وهناك الكثير من المعتقدات التي تراكمت عبر السنين، واندمجت في المعتقدات الدينية وأصبح تغييرها وفصلها عن الدين أمر صعب.
بداية، نعترف أننا نميل إلى الكسل لتغيير معتقداتنا وممارساتنا التي اعتدنا عليه. كهذا المثال: لا نزال نقول أن الشمس تشرق وتغرب، ونحن نعلم أن الشمس لا تدور حول الأرض لتشرق أوتغرب، والأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. ما نقوله كان بسبب الاعتقاد القديم أن الشمس هي التي تدور حول الأرض، واعتاد الناس على هذا القول. واليوم نقول هذا بسبب العادة ولكننا لا نعنيه حرفيا ونعرف خطأه، إدراكنا أن ما نقوله ليس مانعنيه قد جاء بسبب اكتشاف علمي يثبت خطأ ما نقوله، لكن؛ ماذا لو لم نستطع اخضاع المعتَقَد إلى تجربة لنكتشف صحته من عدمه ؟؟؟ "[1]
نماذج من المعتقدات الشعبية :
المظلة
يقال أنه من فتح المظلة في المنزل تنقلب أموره رأسا على عقب ووجه الشبه هو أنك تفتح المظلة في غير مكانها المتوقع فتصبح أمورك كلها في غير نصابها ومكانها الطبيعي .
الحداء
اذا انقلب الحداء على فمه فهذا نذير شؤم على أصحاب المنزل، وذلك بأن الأمور تنقلب رأسا على عقب في المنزل مثلما حدث للحذاء.
يقال بأنه إذا وقع حذاء على حذاء بالصدفة فإن صاحب الحذاء يسافر الى مكان بعيد. 
الصنبور
يقال حسب الثقافة الشعبية أنه إذا رأى أحد ما رؤيا أو حلم وكانت هذه الرؤيا سيئة فعليه أن يقصص رؤياه على الصنبور وهو مفتوح، فانه بتساقط الماء واختفائه تختفي الرؤيا بكل ما تحمله من شرور، أما اذا كانت الرؤيا إيجابية وتبشر بالخير فهذه من الضروري ومن الخير إعلانها بين الناس واشاعتها حتى تتحقق، قد يسأل سائل وكيف نعرف الرؤيا الحسنة من الرؤيا السيئة والجواب هو أن القلب يعلم ويشعر ويحس بأن الحلم والرؤيا خير أم شر.
المغرفة
يقال بأنه اذا ضرب أحدهم الفتاة العزباء بالمغرفة فإنها تصاب بنحس العنوسة فتصبح بائرة ولا يتزوجها أحد، ولهاذا تتجنب الأمهات ضرب بناتهن بالمغرفة وهم حريصات على ذلك، وتفسير ذلك أن المغرفة ترمز الى انثوية الفتاة  كما ترمز أيضا الى العطالة والعزلة والتفرد، وعندما تضرب الفتاة بها ينتقل اليها هذا الشؤم والنحس.
المكنسة
ضرب الشباب بالمكنسة يمنع عنهم الزواج.
العقيق
يقال أنه اذا لبس الرجل العقيق حول عنقه فأنه يتزوج امرأة مطلقة وقد يكون لها أولاد وتسمى في الدارجة المغربية (الهجالة)، ولهذا تجد الأم تمنع ابنها من لبس العقيق حول العنق حرصا وقناعة منها بهذا المعتقد .
التثاؤب
عندما يموت أحد من أفراد الحي أو الجيران يقال لكل من قام بالتثاؤب أقفل فمك بسرعة لأن الموت تبحث عن ضحية أخرى، ولأنها لازالت لم تغادر المنطقة أو الحي حيث مات الرجل، وتفسير ذلك أن الناس يفعلون ذلك من أجل تجنب شر الموت لما لها من تاريخ أسود يربطها بالبشر.
القرع
القرع هو خضرة من الخضروات يجوف من الداخل حتى يصبح صلبا وبالتالي جاهزا لمخض اللبن وهو الأداة التي يمخض بها اللبن في قبائل جبالة، ويقال أنه اذا تم الضرب عليها فإنها تجلب الرياح الشرقية وتجلب معها الحرارة المفرطة التي تؤثر سلبا على المحاصيل الزراعية، لذلك يمنع كليا الضرب عليها في حضرة المرأة الجبلية.
 الكأس
يعتقد أنه عندما ينكسر كأس ما أو صحن في المنزل فانه بانكساره يأخذ معه الشر الذي كاد يلحق أفراد المنزل، ولهذا في حالة ما كسر كأس أو الصحن أو الزجاج في المقهى لا يطالبك صاحب المقهى بثمن الكأس الا في حالات نادرة وذلك حتى لا يرجع الشر الذي ذهب مع انكسار الزجاج مرة أخرى.
البوم
يعتقد بأن البوم نذير على الناس حيث أنه اذا حط فوق منزل ما فانه يعلن بشكل رمزي وينذر بوفاة أحد أفراد المنزل، لذلك عندما يراه الناس فوق منزل ما فانهم يرمونه بسبع حجرات حتى يذهب هو ونذيره السيء.
الضفدع
يعتقد بأن الضفدع حيوان ممسوس ومسكون من طرف الجن وذلك لكثرة مكوثه في الماء النجس وحركته النشيطة في الليل، ولهذا لا ينصح بالمرة ضرب هذا الحيوان أو قتله لأن هذا المس سينتقل الى القاتل وهذا شر كبير، وعموما فان قتل الحيوانات لا يجوز لا في الدين ولا في العقل.
الأشغال المنزلية في الليل
يعتقد بأن الكنس بالليل يجلب العوز والفقر وأيضا بأن كل الأشغال المنزلية بالليل من تنظيف وغسل ملابس وكنس وترتيب من الواجب تأجيلها للغد لأن لليل سكانه وعماره وهم الجن أو (موالين البلاد بالدارجة المغربية) ومن حسن المعاشرة والجوار عدم أذيتهم ليلا بالحركة والعمل المنزلي، وفي حال أذيتهم بالحركة فأنهم كذلك يؤذونك ولا يترددون في ذلك وعلى سبيل المثال يؤذي الجن الانسان بأن يسكنه فيعكر صوف حياته الطبيعية.
خيوط العنكبوت
تعتبر بيوت العنكبوت المنسوجة في زوايا المنزل نذير شؤم على أصحاب المنزل، ولهذا تسارع ربات البيوت الى كنس هذه البيوت وهدمها عبر ما يعرف ب (العزافة)، وذلك اعتقادا منهم بأن العنكبوت تدعوا بالإفراغ والخلاء لسكان المنزل، وتفسير أن العنكبوت حيثما حل يحل الفراغ والخلاء والوحدة، وفي نفس السياق يقال بأن دخول الفأر المنزل دلالة على وجود السحر والحسد داخل المنزل وهذا يجلب الشقاق والخصام بين أهله.
المال
يقال بأن سقوط المال من جيب شخص ما وتشتتها في الأرض دلالة على أن صاحبها سيكون بله مال كثير وخير وفير في الأرض حيث أنه بمجرد ما يسقط لك المال بهذه الطريق يقول لك أحدهم بأنك ستحوز مالا كثيرا، وقد سمعت شخصيا مثل هذا المعتقد يروج كثيرا في منطقة الغرب وأقصد مدينة القنيطرة.
الوزغ
يعيش هذا الحيوان في المناطق الجبلية ويشبه الى حد كبير السحلية وهو صغير الحجم، ويقال عنه أن عينه خطيرة بحيث أنه اذا نظر الى فمك وهو مفتوح يحسب عدد الأسنان فيه فتسقط أسنانك تباعا سواء عبر السوسة أو لسبب اخر، ولهذا من الضروري سد الفم في حضور هذا الحيوان مخافة أن ينظر اليها، ومن الغريب أن هذا الحيوان سريع الحركة ويصعب تعقبه من أجل صيده.
حبوب الرمان
يعتقد بأن حبوب رمان هي دموع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا تحترم هذه الحبوب وتؤكل بشكل كامل فلا تضيع منها حبة واحدة، بل ويحرصون على ذلك في تحدي : من يأكل الرمانة مع كامل حبوبها فهو محظوظ جدا لأنه في الغالب معروف أن حبات الرمان تهرب وتختفي ، ومن الملاحظ في هذا المعتقد الحث على قيمة الاقتصاد ونبذ قيمة التبذير والدعوة الى احترام وتقديس ما تنبث الأرض بربط حبة الرمان بدمعة النبي صلى الله عليه وسلم.
الطير الجميل
يعتقد أنه اذا دخل طير جميل مثل طائر (الزوش) الى المنزل عبر النافذة فهذه بشارة خير، ويستبشر أهل البيت بهذا الحدث، وكذلك دخول الفراشة الى المنزل أو رؤيتها في سطح المنزل فهو دلالة على خير قادم.
فرس النبي
ويسمى أيضا السرعوف، وهي حشرة كبيرة ودخولها للمنزل أو وجودها فيه علامة على خير قادم، وهو لكثرة دلالته على الخير واستبشار الأهالي به كثيرا يسمى في المنطقة بالميمونة.
التصفير
لا ينصح بالتصفير في المنزل حسب المعتقد الشعبي لأنه يجلب الخلاء ويدعو بفراغ المنزل وخلائه من أصحابه، ووجه الشبه أن التصفير لا يكون الا في المناطق الغير الاهلة بالناس والخالية من الحياة، وبالتالي عندما يصفر أحدهم فإنه يستجلب معه توابع التصفير وهي الموت وانعدام الحياة في المكان.
تكسير الخبز
يقال بأنه إذا تهافت اثنان من أفراد المنزل على مائدة الطعام من أجل تكسير الخبز فإن ذلك دلالة على أنه سيقع شقاق وخصام بينهما في وقت قريب.
الأحذية
يقال بأنه إذا وقعت بالصدفة الحذاء اليمنى على الحذاء اليسرى أو العكس فإن ذلك دلالة على أن من وقع له هذا الأمر سيسافر ويغادر المنزل ويقصد بذلك السفر البعيد والسفر القريب.  

من خلال ما سبق يمكن القول أن المعتقدات الشعبية والخرافات يصعب القضاء عليها رغم ما نعرفه في عصرنا الحالي من حروب إعلامية تقضي على التنوع ورغم مجهودات الدين والتنوير العقلي من أجل القضاء على المعتقدات الباطلة والسلبية فإنها لا تزال باستمرار تثبت لنا قدرتها على الصمود، وحتى في حالة اندثار ونسيان هذه المعتقدات من الذاكرة الشعبية نجد أن لها القدرة على التجدد والتكيف مع متغيرات العصر واتخاذ ثوب جديد لها يواكب العصر، كما يمكن القول أن هذه المعتقدات التي تروج في منطقة زومي والمقريصات تعرف تنوعا وغنى في المواضيع وأحيانا يمكن أن يكون لها علاقة بالدين كما أنها  ليست كلها سلبية بل منها ما يحقق الراحة والتوازن والسلام النفسي للإنسان وان كانت تخالف العقل والمنطق.
                                                             




[1]  شيماء ملا يوسف، المعتقدات الدينية والخرافات، الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 11:40 






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
سعيد