أخر الاخبار

تلخيص كتاب الثقافة التفسير الأنتربولوجي، آدم كوبر، الجزء الأول. book summary : culture, the anthropologist's Account by Adam Kuper

 



 مقدمة

 

ولد آدم جوناتان كوبر في29 دجنبر 1941 هو عالم أنتروبولوجيا في جنوب إفريقيا، على صلة وثيقة بمدرسة الأنتروبولوجيا الاجتماعية، في أعماله غالبا ما يعامل مفهوم الثقافة، بشكل متشكك ويركز على كيفية استخدامه على ما يعنيه.

يعالج الأنتروبولوجي البريطاني آدم كوبر في سبعة فصول فكهة مفهوم الثقافة منطلقا في الفصل الأول من تاريخ تشكله وعلاقته بمفهوم الحضارة لدى الأنتروبولوجيين الأوروبيين في القرن العشرين، ليدبر في كل فصل من الفصول الأربعة التالية، تاريخ نظرية الثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة مع تالكوتبارسوتر، وكليفوردجيرتز، ودفيد شنايدر، ومارشال سالينز

 ويدرس الفصل السادس ما يسمى بأنتروبولوجيا ما بعد الحداثة، التي تأسست على نقد العلاقة التي نسجتها الأنتروبولوجيا بالإديولوجيا الاستعمارية، التي فضحها خاصة كتاب الاستشراق، والثقافة الامبريالية لإردوارد سعيد، فيما يجول الفصل الأخير، في مفاهيم التعددية والتنوع الثقافي والهوية والاختلاف وما إليها.

وقبل الدخول في الحديث عن فصول الكتاب، أعتقد أنه ليس بدعا من تسليط الضوء عن علاقة الثقافة بالأنتروبولوجيا، كقراءة أولية لعنوان الكتاب الذي نحن بصدد تلخيصه. حيث يتحدث عن قضية الثقافة من منظور أنتروبولوجي، وهو ينزع في عمومه نحو التشكيك في المراحل التاريخية التي أدت إلى جعل مفهوم الثقافة يقع في اهتمام وانشغال الأنتروبولوجيا الأمريكية بشكل أكثر.

ففي إطار اشتغالهم بدراسة مفهوم الثقافة وتطورها، برز على سطح هذا الاهتمام يقيني بأن الثقافة تمثل بالنسبة للأنتروبولوجي المحور الرئيسي مثلما يمثل الوعي محور الدراسات النفسية.

أما الحديث عن عن ظهور واختراع الثقافة فهو يعود إلى السبعينات، حيث تمكن روي واجنر صاحب كتاب: "اختراع الثقافة" من تقديم مقال عن مفهوم الثقافة، حيث لاحظ فيه أن المفهوم أضحى متلازما تماما مع التفكير الأنتروبولوجي إلى درجة باتت تمكننا من تعريف الأنتروبولوجي كشخص يستخدم كلمة ثقافة باستمرار.

وما أن إنتصرت الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية، حتى أصبحت تبحث لها عن دور في التاريخ، وأصبحت الثقافة أنذاك بمثابة شجر الزاوية بالنسبة للأنتروبولوجيين الذين وفدوا إليها من مختلف ربوع أوروبا، ومختلف أصقاع العالم، وهنالك أعلن ستيوارت تشير في سنة 1947، أن مضمون الثقافة قد أصبح ينظر إليه بوصفه حجر أساس للعلوم الاجتماعية، وفي سنة 1952 صرح مجموعة من رواد علم الانتروبولوجيا أن مفهوم الثقافة هو أحد المفاهيم الأساسية في الفكر الأمريكي المعاصر، وهكذا أصبحت مركزية الثقافة عاملا رئيسا في تفسير كافة الظواهر الأخرى، وبذلا من أن تخضع الثقافة بدورها للتفسير، أصبحت تفسر بدورها كل شيء.

 

 

الفصل الأول: الثقافة والحضارة، المفكرون الفرنسيون والألمان والانجليز (1930-1958)

1- الصراع حول تعريف الثقافة والحضارة عند كل من الفرنسيين والألمان :

 ذهب المؤرخ لوسيان فيفر في أعمال ندوة (الحضارة :اللفظة والفكرة )  الى أنه يجب أعادة النظر في معنى الثقافة والحضارة ومدى علاقتهما بمصائر الأمم كما يجب في ألان نفسه إعادة النظر في علم كتابة التاريخ والاهتمام بالتاريخ الفكري للأمم .

يذكر فيفر أنه على مدى القرن السابع عشر في فرنسا ، شاع استخدام لفظة savage   وحشي) وbarbarian  (بربري ) بالنسبة إلى الناس الأكثر تحضرا. ومع مرور الوقت حلت لفظة civilisé  (متحضر) محل لفظة policé  أي مطيع لقانون ، ولكن مع حلول القرن الثامن عشر يقترح فيفر أنه كانت هناك حاجة الى مصطلح مستقل جديد لوصف مفهوم جديد وهذا المفهوم الجديد هو الفكرة القائلة بتفوق الحضارة الفرنسية وهذه الفكرة متأثرة كثيرا بنظرية التطور في علم الأحياء والتي تقول بأن الحضارة تبدأ من الوحشية وتمر بالبربرية وتنتهي بالحضارة بالمعنى الذي نحته الفرنسيون ، الى جانب هذا الرأي كان هناك رأي اخر أقل حدة وهو القائل بتعدد الحضارات ويدحض فكرة الحضارة الوحيدة المتميزة والمتفوقة .

وفي الطرف المقابل نجد  نوربرت الياس الألماني يرى من خلال كتابه عملية التحضر أن تطور مفهوم الثقافة الألماني من خلال الجدل مع مفهوم الحضارة الكونية أو الحضارة الأممية الذي ارتبط بفرنسا ، الأمر الذي اعتبره الألمان مصدرا للخطر على الثقافات المحلية المميزة

على خطى مانهايم عرف الياس الأسباب التي لاقى مفهوم الحضارة الكونية قبولا لدى الطبقات المهيمنة في الدول الامبريالية مثل فرنسا وبريطانيا في حين أن مفهوم الثقافة يعكس الوعي الذاتي لأمة مثل ألمانيا ... ففي أعقاب الثورة الفرنسية برز التناقض بين الحضارة الأرستقراطية المزيفة والثقافة القومية الأصيلة كموقف نقيض بين فرنسا وألمانيا ، هذا الموقف الذي أدى إلى نشوء الحرب العظمى

2- اختلاف مفهوم الثقافة عند المفكرين الألمان :

تختلف وجهات نظر المفكرين الألمان في تعريفهم للمفهوم الثقافة حسب السياق التاريخي وحسب التوجهات السياسية والاقتصادية فمثلا خلال الموجة الاستعمارية  كان تعريف الثقافة بالقومية الألمانية في ألمانيا لم يتطور بعد في حين أنه  أصبح شائعا في بداية الحرب العالمية الأولى والثانية بل ان تعريف الثقافة يتغير حسب التخصص في العلوم الانسانية فمثلا تأثر الياس بوجهة نظر فرويد القائلة بأن الثقافة تحول الانسان الى رب حيث أنه تبنى كل حضارة على قهر ونبذ الغريزة ويسمى هذا بالتسامي ويعزز هذا الأخير الإبداع الثقافي لكنه يفرض تضحيات عظيمة بالحرية الجنسية .

 على العكس من الياس وفرويد فضل الجناح اليميني من القوميين المقارنة بين الغريزة والثقافة وتعليلهم هو أن نمو الثقافة عضوي بينما نمو الحضارة مصطنع وأن مال الثقافة والحضارة هو الصراع

وضع شبينغلر منظومة أخلاقية مضادة تماما لفرويد والياس ورحب شبينغلر مثل عدد من المفكرين الألمان بالنازيين كرواد التجديد الثقافي للعرق الآري ، وكأعداء للحضارة المصطنعة

وفي خوفهم من المادية العلمية واجه المفكرون الألمان ما اعتبروه تحديا متجددا باستحضار مصادر الفلسفة المثالية والرومانسية وبتشجيع النزعة القومية

3-الثقافة والحضارة  في نظر الانجليز :

في بريطانيا كما في فرنسا وألمانيا ، حفزت الأزمة السياسية في الثلاثينات من القرن العشرين الجدل بين الثقافة والحضارة ... حينها كان المفكرون أكثر تأثرا بالتراث الانجليزي المتأمل لوضع الثقافة الرفيعة (العالمة ) في حياة الأمة ويتجلى ذلك في نظرية ماثيو ارنولد في كتابه الثقافة والفوضى ...هؤلاء اعتقدوا أن الثقافة تتعرض للخطر من الحضارة المادية ومن الثقافة الجماهيرية أو ثقافة القطيع

بعد اذلال ميونيخ شكك تي اس اليوت في مصداقية الحضارة وفي كتابه ملاحظات نحو تعريف الثقافة قال: ثقافة الفرد تعتمد على ثقافة الجماعة ، وثقافة الجماعة أو الطبقة تعتمد على ثقافة المجتمع ككل أو الطبقة ، فكل طبقة ذات وظيفة ألا وهي الحفاظ على ذلك الجزء من الثقافة الكلية للمجتمع والتي تخص تلك الطبقة كما قدم اليوت قائمة بالصفات الثقافية المميزة للشخصية الانجليزية

-في عام 1958 قدم ريموند ويليامز علم أنساب للمنظرين الانجليز المشتغلين بالثقافة وهو عمل مواز لمقالات فيفر عن التراث الفرنسي ،والياس عن التراث الألماني ، حيث صنف طبقات من المفكرين ومن الأدياء (بمن فيهم كل من ليفيز واليوت ) من الذين وضعوا نظريات عن الدور المنقد للثقافة في المجتمع الصناعي، أو بدقة أكثر في انجلترا ، كما ذكر أن استخدام مصطلح الثقافة بدأ في مرحلة الثورة الصناعية مع مصطلحات أخرى مثل الصناعة والديموقراطية .

لقد تم نقد مفهوم الحضارة بمعنى الحداثة والمادية والنظام الصناعي والعلم وتقدم العالم والرأسمالية  على يد الكثير من المفكرين الانجليز ومن بينهم :

ماثيو ارنولد الذي صاغ العبارة الأكثر تأثيرا عن التعارض بين قيم الثقافة وقيم الحضارة الحديثة ، فالحضارة الصناعية اتسمت بأنها ميكانيكية وخارجية ويقنع فقط الهمج بالتقدم المادي الذي تقدمه الحضارة

وفي المقابل نجد المؤيدين لفكرة الحضارة والنظام الصناعي ومنهم ويليامز الذي انتقد ارنولد ماثيو احتقاره للبرجوازية الهمجية وموالاته للجماهير وإحياءه وافتخاره بالثقافة ودورها الروحي وقال أيضا بالأهمية الدائمة للنظام الصناعي وطبيعة الحضارة التي ابتدعها ،ويرى ويليامز أن نقد كولريدج الراديكالي للمجتمع الرأسمالي طور على يد راسكين وكارلايل وويليام موريس

ومن المؤيدين أيضا لفكرة الحضارة والنظام الصناعي نجد القائلين بالمذهب النفعي وأغلبهم من المفكرين الانجليز والأمريكان. 

 

الفصل الثاني: تفسير علم الاجتماع ، تالكوت بارسونز، و الانتروبولوجيون، الامريكيون

  قام تالكوت بارسونز بدرس تحت عنوان " هيكل الفعل الاجتماعي" وهذه الدراسة تناولها فقط علماء العلوم اإلجتماعية ،و يعتبر تالكوس أن الوحدة الأساسية للحياة الاجتماعية هي الفعل الاجتماعي و تتجلى وحدة المجتمع بوحدة المنظومة الثقافية و الحضارية يعني بوحدة المنظومة الثقافية يتحقق التنظيم الاجتماعي و توازنه و استقراره ،و بفهم الهيكل أو بنية الفعل الاجتماعي ستمكن من فهم القضية الاجتماعية و قضايا علم الاجتماع و في إطار العلوم الاجتماعية أقر النفعيون أنه بتطبيق المنهج العلمي سيسهل الكشف القواعد التي تنظم السلوك البشري التي أشبه بالقوانين و هذه الأخيرة هي التي تحكم السلوك و الدوافع الفردية ،وفي المقابل فالفعيون يعتبرون أن معظم الأفراد منطقيين يتخذون اختيارات منطقية وفعالة في فيما يتعلق بالمسائل المهمة ،أما بالنسبة للمثاليين نفوا وجود قوانين عامة تحكم السلوك البشري وأن لكل فترة تاريخية قوانينها الخاصة ولكل ثقافة ديناميتها الخاصة وعلاوة على هذا فالثقافة تشكل الأفراد تبعا لغاياتهم يعني المثاليون يمثلون النظرية الآلية و مذهب الفردية و المذهب الجزئي يعني كل مظاهر الطبيعية يمكن إدراكها بمعرفة الحجم و الشكل و النظام وحركة الجزيئات والجسيمات الصغيرة و بتشغيل الآلة تتفاعل الجسيمات و الجزئيات يؤدي إلى إحداث الظواهر الطبيعية و بالتالي الفهم. ووضعت العضوية تبعية الوحدة للكل بما في ذلك الفرد البشري و الوضعين يجادلون بأن استراتيجيات الفرد منطقية ونفعية ، أما المثالية كانت ترى أن الأشخاص مدفوعين بأفكار غالبا ما تتسم بأنها غير منطقية وغامضة ، وهكذا اشتركت نقاشات بين الوضعيين و المثليين في أمور كثيرة وبمجادلات واسعة النطاق بين مؤيدي حضارة تقدمية منطقية ومادية و مع المدافعين عن التفافة . وفي هذا الصدد أصر باسونز أن هناك اختلافا دقيقا هو أن المشتغلون بالعلوم اإلجتماعية وضعوا نظرياتهم على المحك و أن النظريات يجب أن تقاس بناءا على الحقائق و التفاعل الجدلي بين النظري و البحث التجريبي هو الذي يوفر القوة الدافعة للتقدم العلمي . و كانت الألمانية موطن المثالية وحدد بارسونز أصل نشأتها في مذهب الثنائية الخاصة بأوغوست كونت و تتمثل في نظرية فصل الطبيعة البيولوجية عن الحياة الروحية ،أما النفعيون بالنسبة لهم الحقيقة الرئيسة هي حقيقة الشك فيها، وبالفعل اتفق معه بارسونز ولكن يقول أن لقدا اعتبرت الثقافة عند كوبر و كلو كهون من أفضل محاولات تحديد ما يعنيه المفهوم االانثروبولوجي للثقافة بدقة قد أجمل وصنفا 164 تعريفا للثقافة والمرادف القريب منها " الحضارة " وكما وضع كل منهما دراسة ألصول المفهوم الانثروبولوجي للثقافة عندهما ،وكان أول من عرفها هو تايلور بتعريف الشهير"إن الثقافة أو الحضارة بمعناها الانتوغرافي العام هي الكل المركب الذي يشمل المعرفة و المعتقدات و الفن و الاخالقيات و القانون و العرف وأي قدرة أوعادة يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع و الثقافة هي كل متكامل "، والحظ كوبر و كلوكهون أن بعد تعريف تايلور للثقافة توقف تطور الفكرة الانثروبولوجية للثقافة لمدة طويلة أي ما يناهز 32 عاما ،وانتقد تعريف تايلور باعتباره تعريفا قد جمع قدرا مفرطا من العناصر المتباينة الغير المرتبطة مع بعضها البعض ألنه ذكر أن الثقافة وحدة متكاملة واعتقد كوبر و كلوكهون أنه بالفعل ينبغي التعامل مع الثقافة على أنها وحدة متكاملة وذات بنية تتألف من أجزاء مترابطة ولكن تايلور جمع عناصر كثيرة للغاية و لم يميز بين الثقافة و التنظيم الاجتماعي وكان من الأفضل أن يضيق نطاق التعريف لتمييز الثقافة عن المجتمع يعني الثقافة كأفكار وليس كأفعال أو مؤسسات " لهذا لم يرغب كل منهما إضافة تعريف رسمي رقم 165 وحاولوا فقط صياغة فكرة حول ما اكتشفوه على أن الأفكار الثقافية يعبر عنها باستخدام الرموز لهذا قاموا بصياغة فكرة محورية من قبل معظم علماء الاجتماع " أن الثقافة تتألف من أنماط صريحة أوضمنية من السلوك ولأجله المكتسب و المنقول من خلال الرمز . في حين بواس يرى أنه يتعذر فهم أي ظاهرة ثقافية إال من خالل ماضيها بسبب تعقيد هذا الماضي و أنالاحكام العامة غير مرتبطة بأي زمن في الواقع فاألعراف و غيرها غير ثابتة لهذا لايجب الرجوع إلى الماضي واعتباره منهجا ومنطلقا للتفسير. أما روبيرت لوي قدم سلسلة من المحاضرات تحت عنوان الثقافة و الانثروبولوجيا و احتج أن الثقافة هي أمر فريد من نوعه وال يمكن تفسيره سوى من خلال نفسه وال يحدده العرق آو البنية وأن الثقافة هي ما قاله تايلور الميراث الغير البيولوجي للجنس البشري ، وأظهر أيضا لوي مزيدا من اإلهتمام بالفوارق بين الموروثات الثقافية المحلية ألنه رفض بوضوح فكرة أن الثقافة هي كل متكامل . أما أليكسندر غولدنيفر كان هدفه ينصب على الأفكار العنصرية فشرح اعتراضات بواس المعروفة ضد الرؤية العرقية للتاريخ وأن الحضارة تتجاوز الحدود الفردية وتتباين الحضارات نتيجة للعوارض التاريخية المحلية لكن جميع الحضارات تشترك في مبادئ عامة مشتقة من الخصائص المشتركة لبني البشر و من انتشار الممارسات الأفضل سابيير اعتبر أن الثقافة الأصيلة تمتاز بالتنوع الوفير و أن الثقافة الأصيلة للفرد يجب أن تنموا طبيعيا من التربة الخصبة لثقافة جماعية . روث بانديكت بالنسبة لها تكامل أي ثقافة يمكن مقارنته مع بلورة أي شخصية وتقول " إن تاريخ الفرد أوال و قبل أي شيء لهو تكييف مع الأنماط و المعايير المتوارثة تقليديا في مجتمعه و مند لحظة ميالده تشكل الأعراف التي يولد في ظلها خبرته و سلوكه وفي حلول الوقت الذي يصير فيه كبيرا أو قادرا على المشاركة في أنشطتها فإن عاداتها تصبح عاداته ومعتقداتها تصبح معتقداته ..."، و قد انتقد سابيير هذا المنظور الذي تبنته بانديكت على أن الثقافات شخصيات جمعية ،وفي المقابل يقر من وجهة نظره أن األفراد يستطيعون ممارسة استقال خالق و يرفض بصفة قطعية كل أشكال من أشكال الحتمية الثقافية . مارغاريت ميد التي غدت من أنجح المروجات لدراسة الثقافة و الشخصية ،تقول أن بواس يعتبر أن الشعوب تقتبس من بعضها البعض وأن ليس هناك مجتمع يتطور في عزلة بل يتأثر دائما و باستمرار في تطوره بالشعوب و الثقافات الأخرى . التراث الألماني فكان يتعامل مع الثقافة أنها نظم من القيم و الأفكار معبرا عنها برموز مجسدة في الدين و الفن ، وكان الفرد يجدها هدفا للحياة ويشعر بالهوية من خالل استيعاب قيم الثقافة و جعلها قيم خاصة. جيرتز و شنايدر شككوا في نظرية بارسونز التي ترى أن دراسة الثقافة مجرد جزء من مهمة اكبر وأن علماء األنثروبولوجيا مجرد خدم لنظرية العامة ،ومع مرور الوقت عزم الاثنان على دراسة الثقافة كنظام مستقل يستحق أن يبحث في حد ذاته , أما كليفورد جيرتر نشرت تفاصيل أنيقة على صيغة بارسون ولكن شنايدر دعا بالضرورة أن يستثنى من الثقافة الاعراف لان الثقافة نظام رموز و دلالات أما الأعراف فهي شيء مختلف يعني أن هي موجهة نحو أنماط الفعل في تشكيل الثقافة و التعريفات و المقدمات المنطقية و الفرضيات و المقترحات و المفاهيم حول طبيعة الكون ومكان الإنسان فيه .من خلال هذين الانثربولوجيين باتت الفوارق التي وضعها بارسونز أكثر وضوحا و الثقافة أكثر تخصصا الا انه يباعد بينهما و بين الفعل . اعتبر في النهاية بارسور أن المناهج كانت تفسيرية لمناهج التحليل النفسي وأنه يتعين أوال التعامل مع الرمز على أنه نظام محتوى لذاته وليس مجموعة من الرموز لواقع خارجي يعني يجب فهم الرمز بعينة و مدلوله أوال قبل الخوض في دراسة أي نظام وال يمكن دراسة النظام بمعزل عن فهم رموزه خاصة ،ألن يمكن أن تكون في بعض الاحيان العالقة بين الرمز و الواقع قد يكون عكس ما يفرضه المنطق العام .

الفصل الثالث: الثقافة كعقيدة و كأوبرا ضخمة.

-في بداية هذا الفصل يقوم آدم كوبر بتقديم تعريف ل "كليفورد غيرتز " قائلا: هو واحد من أبرز علماء الأنتروبولوجيا الأمريكيين وأكثرهم تأثيرا خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين

-حاصل على شهادة الإجازة في اللغة الإنجليزية سنة 1930.

-إنتقل في الدراسات العليا إلى دراسة الفلسفة تم الأنتروبولوجيا،  وتمكن من نيل شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد سنة 1956 درس مادة العلاقات الإجتماعية، وعمل باحثا مشاركا في مختبر العلاقات الإجتماعية في جامعة هاردفورد ما بين سنتي(1957-1956)،كما عمل أستاذا مساعدا لأنتروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا في باركلي ما بين 1958و1960 .

-وهو يعد مؤسس المدرسة التأويلية في الأنتروبولوجيا وقد أولى عناية خاصة بدراسة الرموز في الثقافة، لإيمانه بأن هذه الرموز هي التي تضفي معنى ونظاما على حياة الإنسان، وكان له بذلك إسهاما هاما في تصوير دراسة الأنساق الرمزية و الثقافية داخل الممارسات الأنتروبولوجيا منهجا و تنظيرا .

ومن هنا يعرض آدم كوبر أهم الأفكار و المفاهيم التي تحدث عنها "غيرتز "حول الثقافة. يقول غيرتز "إن إعادة تعريف الثقافة  هذا ربما كان أكثر إهتماماتي إلحاحا بوصفي أنتروبولوجي "

أي أن غيرتز هنا يتحمل نوعا من المسؤولية بوصفه أنتروبولوجي في تعريف مفهوم الثقافة، وبالتالي كان هذا الأمر أول إهتماماته حسب قوله .

ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن دور "الرموز" في الثقافة وهنا يتحدث "غيرتز " عن أهمية الرموز وتفسيرها لفهم الثقافة، ومصداقا لهذا يقول "غيرتز " "فالثقافة هي نظام تراتبي من المعاني و الرموز ... يعرف الأفراد من خلالها عالمهم ،ويعبرون عن مشاعرهم ،ويصدرون أحكامهم "

أي من خلال هذه المعاني و الرموز يستطيع الفرد أن يعبر عن أحاسيسه و مشاعره و يصدر أحكاما انطلاقا من هذه الأدوات الرمزية، وبالتالي فالثقافة عند غيرتز أيضا هي مجموعة من الأدوات الرمزية  للسيطرة على السلوك "ويضيف القول كذلك "هي نمط متوارث تاريخيا للمعاني المجسدة في الأشكال الرمزية من خلال الوسائل التي يتواصل بها الأفراد و يخلدون و يطردون معرفتهم للحياة و مواقفهم "

أي أن هذه الأشكال الرمزية تتجسد من داخلها معاني  و دلالات من خلال الوسائل التي يتواصل بها الأفراد، ومن تم فقد إهتم "غيرتز " بدراسة رموز الثقافة وأكد على وصف معنى هذه الرموز الثقافية كشيء جمعي يمثل في أفعال إجتماعية. 

حيث يقول :"لا بد لنا الإنتباه للفعل لأن إهتماماتنا التي يجب أن تكون واقعية أكثر و دقيقة ،ما هي إلا إندفاع مباشر نحو الفعل أو الأفعال الإجتماعية حتى تتكامل الأشكال الثقافية في داخل تحليلنا وتأويلنا للمعاني و رموزها "

أي أن:لتتكامل الأشكال الثقافية لا بد أن تتمثل في الأفعال الإجتماعية ومن خلالها يتجسد تحليلنا للمعاني ورموزها ووصفها .

ويؤكد هذا من خلال قوله:"الثقافة ليست شيئا قابعا في أذهان "عقول"الأفراد ولكنها شيء متضمن في الرموز العامة أو هي الرموز التي يتحقق من خلالها اتصال أفراد المجتمع عن طريق رؤية العالم ،والتوجهات القيمة وروح الجماعة أو الثقافة ببعضهم البعض، وبالأجيال القادمة و بالأنثروبولوجين"

بمعنى أن هذه الرموز هي قناة الإتصال بين أفراد المجتمع وقناة إتصال بالأجيال القادمة، وقناة إتصال أيضا بين الأنتروبولوجيين ،وبالتالي فالثقافة شيء متضمن في الرموز العامة، وليست شيء متضمن في عقول الأفراد.

وفي هذا الصدد يقول آدم كوبر:"وعمليا إختار جيرتز الدين ليمثل أقصى تجسيد للثقافة  ،كما حاول وصف تأثير المفاهيم و الممارسات العقائدية على عمليات سياسية و إجتماعية و إقتصادية معينة ...وقد تعين معاملة الدين كنظام ثقافي إلا أنه كان أيضا جانبا ذا مكانة خاصة في الثقافة وهو الثقافة في أعلى حدودها"

أي أن فهم الثقافة بهذا المعنى يعني تفسير رموزها و وبالتالي يعود الفضل لجيرتز  في كشف المحاميل الرمزية للأعمال الدينية بوصفها  نواقل للمعنى التشاركي ليضع مفهمة جديدة للدين: يقول غيرتز:" بوصفه(أي الدين )نسقا من الرموز يعمل على تأسيس طبائع و دوافع ذات سلطة وإنتشار و استمرار دائمين لدى الناس و ذلك عبر تشكيل تصورات حول النظام العام للوجود " وهو مفهوم أساس من ضمن طائفة من المفاهيم الدينية و الطقسيات الإجتماعية عموما .

يقول "غيرتز" في هذا الصدد: " الثقافة نموذج للمعنى الصادر من العوامل التاريخية المغروسة في رموز نسق من المفاهيم و المجسدة كأشكال رمزية متنوعة وفق تبادل الأفراد، كما أنها معرفة مطورة عن الحياة و اتجاهات الأفراد نحوها"

ومن هنا إنتقد "غيرتز " محاولات بعض الباحثين التي تنظر إلى الثقافة على أنها فولكلورا أو تراث شعبي يقومون بجمعه أو تحويله إلى سمات يحصونها أو يحولونها إلى نظم توصف لأنها  من وجهة نظره محاولات تبتعد عن فهم المعنى الحقيقي للثقافة.

وفي نهاية هذا الفصل يعرض آدم كوبر الإنتقادات التي وجهت ل "غيرتز "

أولا: تخلى عن الطريق القويم عندما تحول من اهتماماته بالتاريخ الإجتماعي و التغيير الإقتصادي و الثورة السياسية و بدأ في التعامل مع الثقافة على أنها المحرك الرئيس للشؤون الإنسانية،  وفي النهاية على أنها حقل دراسة كاف في حد ذاته.

ثانيا: سلك "غيرتز " الطريق القويم إلا أنه توقف قبل الوصول إلى النهاية .

وكليهما يقلل من أهمية الموضوع، فقد حدد تعريف الثقافة ثم تعامل معها وفق المصطلحات الخاصة بها أو المصطلحات التي نسبها إليها كنظام رمزي يعمل من خلال المجاز،أي مجيز من النصوص.

ورغم كل هذه الانتقادات التي سبق ذكرها، فإن رسالة غيرتز تتمثل في أن الثقافة هي العنصر الأساس في تعريف الطبيعة البشرية و القوة المهيمنة في التاريخ .



تتمة التلخيص على الرابط التالي:

https://habtisoufiane.blogspot.com/2021/12/1918-1995.html

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
سعيد