أخر الاخبار

اليوتبرز من تحقيق الربح الى التعارف والتثاقف أو التثاقف في زمن العولمة




 

من المعلوم أن  كل دول العالم عامة والعظمى خاصة احتكرت الاعلام الرسمي من أجل تضليل وتغليط الرأي العام سواء الموجه لشعب معين أو الموجه لشعوب العالم من أجل خدمة أجندات سياسية معينة عبر القنوات الأكثر شهرة في وقت ليس بالبعيد عنا هما التلفاز والراديو وذلك لقدرتهما الكبيرة على استقطاب الجماهير وكان ذلك الى أن وقعت ثوراث علمية عرفتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة من ظهور للأقمار الصناعية والحواسب المتطورة والبرامج والتطبيقات الرقمية  الأسباب التي ساهمت في خلق  قنوات اتصال عالمية من قبيل موقع يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك واللائحة تطول وكل هذه العوالم التي يمكن لك الولوج اليها عبر الشابكة أصبحت تسمى بالعالم الإفتراضي، هذا العالم الذي أعطى حرية أكبر للشعوب لكي تعبر عن آرائها ومواقفها في مختلف الميادين بعيدا عن المواقف المسبقة والأيديولوجية للحكومات فبدأ المواطن يتحرر شيئا فشيئا من وطأة وسيطرة الاعلام الرسمي والموجه للدول بل وأصبح يتحرر أيضا من ضيق الدولة القطرية الواحدة الى عالم منفتح على جميع الدول والشعوب والثقافات.  

واذا كان العالم الحقيقي يعج بالظواهر الاجتماعية التي تضبط المجتمع وتحكمه وتتسبب له في  الفوضى أحيانا فان العالم الافتراضي أيضا له ظواهر اجتماعية لا تقل غنى وثراء كما هو الحال مع العالم الحقيقي، ومن الظواهر التي عرفها العالم الافتراضي في السنوات الأخيرة واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل خاص الموقع العالمي موقع يوتيب «YOUTUBE» حيث تجد مقاطع فيديو تعنون بردة فعلي على الاغنية الفلانية أو أحسن رد فعلBest Reaction» » على الفيلم الفلاني أو الطقس الديني الى آخره، حيث يأتي أحد اليوتوبر فيأخد مقطع فيديو لأغنية مشهورة مثلا ويبدأ مشاهدة هذا الفيديو مبديا ردات فعله على المقطع من تعجب و فرح واندهاش واعجاب وغيرهم من ارتسامات الوجوه والحركات الجسدية غايته التفاعل أقصى ما يمكن مع هذا المقطع السمعبصري، وتكون هذه المقاطع أو الفيديوهات المشتغل عليها مختلفة ومتنوعة حيث نجد الأغاني والأفلام والطقوس الشعبية والأطعمة ومقاطع تهتم بالأديان وبعبارة أخرى يحاول اليوتوبر أن يتعرف على ثقافة المشاهد والمتتبع من خلال السينما والفنون والطبخ والدين ومقارنتها بثقافات أخرى.

والجميل في هذه الظاهرة الاجتماعية هو أنك ترى شخصا غريبا عن ثقافتك أو لغتك يحاول التعرف عليها  من خلال فيلم مثلا أو طقس ديني ويتفاعل معه فيبدي الإستغراب والتعجب والإعجاب وأحيانا الاستنكار وهذه الطريقة في استكشاف الآخر والتعرف عليه كانت الى وقت قريب غريبة على مجتمعات المعاصرة الغارقة في الأيدولوجيا والاستهلاك والذاتية، ومن النماذج التي شاهدتها في موقع اليوتيب : مجموعة شباب كوريين يشاهدون أغنية من أغاني سعد المجرد ويتفاعلون معها، أيضا عدد كبير من اليوتوبرز الغير مسلمين يشاهدون مقاطع لكبار مقرئي القران مبدين التأثر لسماعها، فريق آخر يتعرف على الطبخ المغربي، وهناك من يتعرف على بلد آخر من خلال أشهر معالمه السياحية الى آخره من الأمثلة الكثيرة . 

واذا أردنا الحديث عن هذه الظاهرة المعاصرة من زاوية السلبي والايجابي فيمكن القول أن الإيجابيات التي تترتب عنها سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع تتمثل في التالي :

تحقيق الربح المادي لما يطلق عليهم في وقتنا هذا اليوتوبرز، أي أنه كلما حقق صاحب القناة أو المحتوى عدد مشاهدات كثيرة وعدد اشتراكات كثيرة كلما زاد دخله المادي من هذه القناة أي أن هذا النشاط يساهم في التنمية البشرية للمجتمعات.

تساهم هذه الأنشطة الاستكشافية والتواصلية فيما يسمى بالتثاقف حيث يتعرف الأفراد والمجتمعات على الثقافات الأخرى وهذا هدف سام لأنه يحطم الحواجز والعقبات بين الشعوب ويبني جسورا بينها وذلك من خلال تجاوز الأحكام المسبقة والإعلام المغرض والتعرف مباشرة على شعب ما أو عرق ما أو ديانة ما  لا طال ما  شوهت صورتها من طرف جهات معادية، وبقدر ما يريد صانع المحتوى أن تشتهر قناته وتصل الى درجة العالمية بقدر ما يتوجب عليه الاضطلاع على ثقافات أخرى والتفاعل معها بمشاهدة أغانيها وأفلامها ودينها وغيرهم الأمر الذي يستقطب المشاهدين والمتتبعين من مختلف الجنسيات والدول لأنهم يرون في هذه المقاطع السمعبصرية من يتواصل معهم ويحاول فهمهم لا الحكم عليهم.  

شاهد أيضا

ومن الإيجابيات أيضا في هذه الفيديوهات أنها تتيح فرصة للمشاهد بأن يصبح مشاركا في إخراج المقاطع السمعبصرية بالتعليق عليه سلبيا أو إيجابيا وكذا بطلب المتتبعين من صاحب القناة أن يشاهد مقاطع من اختيارهم واقتراحهم وهذا شيء جميل لم يكن متاحا البتة في ما مضى حيث أصبح المشاهد مشاركا محوريا في صناعة المحتوى ولم يعد ذلك المتلقي السلبي.

قد يساهم هذا النشاط الاجتماعي والافتراضي في القضاء على الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي مازالت تؤرق الأقليات العرقية والدينية في الكثير من الدول ومنها ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تروج لها الدعاية المغرضة أو الخوف من العرق الأصفر أو الخوف من اللآخر بصفة عامة وغيرها من الفوبيات التي لا تعد ولا تحصى في عصرنا هذا.

أما السلبيات فمنها أن صانع المحتوى قد يتصنع الاعجاب بالمقطع المشاهد من فيلم أو أغنية حتى يرضي جمهوره الذي يتابعه .   

التعاليق على المحتوى تكون في الغالب سلبية الى حد كبيرة من سب وشتم وعنصرية في حق اليوتوبرز وذلك بسبب الحرية الكبيرة التي يتمتع بها المتتبع لكي يقول ما يريد.

أن يبتعد صاحب القناة عن الموضوعية الحياد فيميل الى طرح ووجهة نظر دون الأخرى كأن يحكم على  طقس شعبي معين بأنه متخلف أو بدائي لغاية في نفسه مع العلم بأن هذه من الأمور التي لا يمكن الجزم فيها بالتحسين والتقبيح أو يقول عن أغنية ما بأنها رديئة وسيئة لأسباب ذاتية وغير فنية ويمكن أن نطلق على هذا النشاط بمعكوس الظاهرة والهدف منه الحكم على الآخرين والترويج للكراهية والخوف.

بناء على ما سبق يمكن القول أن هذه الظاهرة السوسيوافتراضية وان كان لها جوانب سلبية تبقى من الطرق الفعالة في عصرنا هذا لمواجهة دعاة العنصرية والكراهية في العالم قاطبة وما أكثرهم وذلك من خلال محاولة فهم الآخر المختلف عن ثقافتنا والتعرف عليه ولو بمشاهدة أغنية أو طقس شعبي مع التخلي عن الأحكام المسبقة التي صنعتها الدعايات المغرضة عن كل شعب من الشعوب.  





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
سعيد