أخر الاخبار

المخازن الجماعية إكودار أو إغودار


أدب وثقافة




مخازن إكودار

تعتبر المخازن الجماعية إكودار لونا من ألوان التراث الثقافي المادي الأمازيغي المغربي وثمرة تفاعل وتكيف الإنسان مع محيطه وبيئته وداخل جماعته البشرية، ويتمثل الدور الأساسي لهذه المخازن كما يوحي اسمها في حفظ مدخرات القبيلة من قسوة المناخ والطبيعة من جهة ومن النهب والسرقة الذي يحصل بين القبائل أو من غزو أجنبي من جهة أخرى ولهذا تتموقع هذه الخزائن دائما في مكان مرتفع أو على جبل أو تل أو ربوة، وفي هذا الصدد يقول الباحث المتخصص في تاريخ إيغيدار خالد العيوض للقناة الجزيرة: "إن سكان المناطق الأمازيغية اهتدوا إلى تلك الطريقة منذ قرون، لتخزين المحصول الفائض في سنوات الرخاء من أجل اللجوء إليه في سنوات الجفاف، وأيضا لتخزين أشيائهم النفيسة من حلي فضية وعقود زواج وملكية وبعض المواد الغذائية مثل زيت الزيتون والسمن"، وتنتشر هذه المخازن بكثرة في الأطلس الصغيرة ومنطقة شتوكة آيت باها وسواء كانت هذه المناطق جبلية قليلة الموارد الغذائية أو واحية غنية بالموارد الغذائية كانت هذه المخازن حاضرة  بقوة في الثقافة المادية لهؤلاء السكان، ومن باب تقريب الصورة أكثر للقارئ الكريم سنخص بالذكر مخزني )أكادير أكلوي( ومخزن )أكادير ندعيسى(اللذن يقعان في منطقة واحة إمتضي.

مؤهلات المنطقة

تعتبر واحة إمتضي بسفوح جبال الأطلس الصغير في عمق الصحراء بالجنوب المغربي من أخصب الواحات في المنطقة لاحتوائها على عين بوكاع التي لا تنضب مياهها عن الجريان طوال السنة، وتنتشر هذه الواحة الغنية بأشجار النخل والرمان على طول وادي إمتضي لحوالي 3 كيلومترات، ما جعلها محط أطماع الغزاة واللصوص على مر التاريخ، وهذا ما جعل السكان الأصليين لهذه المنطقة وهم الأمازيع يبتكرون طريقة ذكية  للحفاظ على مدخراتهم أطلقوا عليها إسم إيكودار بالأمازيغية وتعني المخازن الجماعية.

ونظرا لأن الإيكودار كانت عبارة عن شبه قلعة محصنة يحصن فيها سكان واحة إمتضي أموالهم وممتلكاتهم ويتكلف بالمهمة أحد أمناء القبيلة، يرى الباحثون وعلماء الأنتروبولوجيا أنها من بين أقدم الأنظمة البنكية التي عرفتها البشرية على مر التاريخ والتي مازالت حصونها شامخة وشاهدة على ذلك، وقد خلص الباحث خالد أعيوض بعد دراسات وأبحاث إلى أن أغادير هو أقدم نظام بنكي عرفته البشرية قبل ظهوره في أوروبا.

هندسة إكودار

أدب وثقافة


وتتكون هذه المخازن من الداخل من مجموعة من الغرف الموزعة بشكل منظم، بحيث نجد أنه يخصص لكل أسرة غرفة خاصة بها تذخر فيها الحبوب بشكل أساسي والأشياء النفيسة وينقسم المخزن عموديا على شكل طوابق أكثرها أربعة طوابق وأقلها طابقان، أما خارج هذه المخازن فهو عبارة عن أسوار عالية تتخذ شكل المستطيل في الغالب أو المربع.

تدبير المخزن

ويسهر على تدبير المخزن جماعة من شيوخ القبيلة المشهود لهم بالخبرة والحكمة وتسمى بالأمازيغية "إنفلاس" وعلى رأس المهام التي يقومون بها تشريع القوانين التنظيمية والعقابية الخاصة بالمخزن، ومن بين هذه القوانين مثلا أن أعمال البناء والترميم والحراسة يقوم بها سكان القرية من خلال التناوب عليها ولا يوجد أي مقابل مادي تجاه هذه الخدمات، ومنها أيضا أن سكان القبيلة يخصصون 10 بالمائة من مدخراتهم من الحبوب لفائدة غرفة خاصة تسمى غرفة بن يعقوب وهو الرجل الذي سن هذه السنة الحسنة لمن بعده وتوفر هذه الغرفة الدعم الغذائي للكتاتيب القرآنية المساجد والزوايا المجاورة للمخزن ويستفيد منها بشكل خاص طلبة العلم وعابري السبيل وينتفع منها أيضا الناس أيام المجاعات، وتكتب هذه القوانين في صحيفة تسمى باللوح تشكل المرجع الأساسي للقوانين  المنظمة للإيكودار.

جغرافية المكان ) واحة إمتضي (

ومن الناحية الجغرافية يمكن القول بأن المكان يتميز بكثرة ينابيعه المائية العذبة وأحواضه وشلالاته الساحرة وبعبارة أخرى المكان جنة للزائرين، وقد كان هذا سببا كبيرا في أطماع الغزاة، وقد تشكلت هذه الجغرافية الساحرة على مدار ملايين السنين بفعل النشاطات الجيولوجية مشكلة فج صخري عميق معروف بوادي إمتضي الذي تعرف جنباته أشكال جيولوجية مختلفة من تكتلات طينية على شكل مرتفعات ومنخفضات وكهوف و مصارف طبيعية  للمياه.

ولعل من أهم الحصون التي تزين الواحة "أكادير أكلوي" وهو واحد من أهم المخازن الجماعية بالمنطقة يرجع المؤرخون تشييده إلى أكثر من تسعة قرون وقد أعيد بنائه وترميمه أكثر من مرة يشتمل على أربع طوابق يصل تعداد الغرف فيها إلى أكثر من تسعين غرفة للتخزين وأبراج للمراقبة وأسوار محصنة، ويعتبر هذا المخزن صغير الحجم إذا ما قارناه بمخازن كبرى قد يصل عدد الغرف فيها الى 400 غرفة تخزين وهذا عدد كبير جدا.

أما الحصن الثاني فهو حصن "أكادير ندعيسى" الذي يطل على قرية إدعيسى ويشبه الى حد كبير حصن أكلوي في الهندسة والتصميم فهو كذلك يشتمل على طوابق وغرف التخزين من الداخل وأسوار وأبراج مراقبة من الخارج.

النشاط الاقتصادي للسكان الواحة

وإذا أردنا الحديث عن نمط عيش سكان واحة إمتضي فسنجد أن سكان الواحة يعتمدون نمط عيش زراعي يتمثل في زراعة أشجار اللوز والخروب والزيتون والرمان، وبعض الخضروات إلا أن هذه الأنشطة الفلاحية لم تعد تكفي لسد حاجياتهم من الخضر والحبوب بسبب التغيرات المناخية  التي يعرفها العالم والمنطقة بشكل خاص من فياضانات وجفاف الى غير ذلك.

وهذا ما جعل ساكنة الواحة تبحث عن مصدر بديل عن النشاط الزراعي والذي هو النشاط السياحي من خلال ما تتمتع به المنطقة من مناظر طبيعية ومؤهلات جيولوجية تمتد على طول الواحة وعلى رأس هذا كله المواقع الأثرية المتمثلة في المخازن الجماعية إكودار التي أصبحت تستقطب عدد لا بأس به من السياح والزوار داخل المغرب وخارجه، وفي هدا الصدد يقول أحد المرشدين السياحيين من سكان المنطقة عمر بالحوس: "السكان لم يعودوا يعتمدون على المحاصيل القليلة جدا كمصدر عيشهم اليومي، لهذا فنحن في أمسّ الحاجة إلى الدعم الدائم للحفاظ على هذا الموروث البيئي، الذي يساعد السكان على الاستقرار، ويساهم في الحفاظ على البنايات التاريخية، لنضمن استمرار تدفق السياح".

المصادر:

موقع العرب

موقع هسبريس

الجزيرة الوثائقية

موقع الجزيرة







 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
سعيد